بيت الله الحرام... البقعة الأطهر، والمقصد الأسمى لملايين القلوب المؤمنة. هنا، تتعالى الروحانية وتخفت الأصوات، وتُصبح كل لحظة جزءًا من تجربة إيمانية لا تنسى.
ولأن التنظيم في هذا المكان جزء لا يتجزأ من تجربة الزائر، جاءت الحاجة لحلول ترتقي بمستوى التفويج، وتوازن بين القدرة الاستيعابية والخشوع.
تشهد منطقة المطاف تغيّرًا مستمرًا في كثافة الزوار، خصوصًا في أوقات الذروة. ففي السابق كانت قرارات التفويج تعتمد على مزيج من الحدس والخبرة. أما اليوم، فبفضل المحاكاة الذكية، يمكننا اتخاذ قرارات مبنية على بيانات واقعية ونماذج دقيقة، تحفظ أمن الزوار، وتنظّم تدفقهم، وتُحافظ على قدسية التجربة كما ينبغي لها أن تكون.
كم من الزوار يمكنهم دخول المطاف في وقت واحد دون أن يختل هدوء المكان؟
سؤال جوهري، تُجيب عنه المحاكاة الدقيقة المدعومة بالبيانات لا بالتخمين..
في علم، طوّرنا نظامًا فريدًا لمحاكاة شعيرة الطواف حول الكعبة المشرفة، استوعبنا فيه خصوصية ضيوف الرحمن، وسلوكياتهم، وتفاصيل أداء المناسك، ليكون أداة تشغيلية دقيقة وذكية بيد متخذ القرار.
محاكاة تعكس الواقع… وتبني حلولاً استباقية
يعرض النظام تمثيلًا رقميًا واقعيًا لمنطقة الطواف، يشمل تفاصيلاً دقيقةً مثل الوقوف عند مقام إبراهيم عليه السلام، لمس الحجر الأسود أو الإشارة إليه، حركة الطواف العكسية وغيرها من سلوكيات الطائفين.
ويُعد هذا النظام منصة اختبار افتراضية تحاكي بدقة حركة الزوار في ظل سيناريوهات الازدحام الكثيف، معتمدةً على تقنيات النمذجة السلوكية، وعلم المحاكاة، والفيزياء الرياضية، والذكاء الاصطناعي — ما يمنح الجهات المشغّلة رؤية شاملة لاتخاذ قرارات مستنيرة، قبل أن تتحول التحديات إلى ضغوط ميدانية.
نظام واحد… بقدرات تشغيلية متعددة
يتيح هذا الحل الذكي مجموعة متكاملة من الإمكانات، أبرزها:
- تصميم المساحات وتخطيطها بكفاءة لضمان انسيابية الحركة وتوزيع الحشود بذكاء.
- اختبار المسارات التشغيلية لتحسين التدفق، وتقليل الازدحام، وتنظيم سرعة الحركة في مختلف السيناريوهات.
- إدارة محيط الحجر الأسود من خلال وضع بروتوكولات دقيقة للتلامس، وتنظيم صفوف الانتظار.
- حساب الطاقة الاستيعابية بدقة وضبط عمليات الدخول والخروج بما يتناسب مع ذروة التوافد.
- دعم خطط الطوارئ والإخلاء عبر محاكاة واقعية للحالات القصوى والتدريب عليها مسبقًا.
- تحليل السعة التشغيلية القصوى في أوقات الذروة، بما يعزز القدرة على اتخاذ قرارات لحظية مبنية على علم.
- التخطيط الاستراتيجي طويل المدى لتحسين جودة التجربة وضمان الاستدامة التشغيلية.
موثوقية عالية… في مواجهة أعقد السيناريوهات
في مركز أبحاث "علم"، لا نكتفي بابتكار الحلول، بل نُصمم أدوات قادرة على العمل بثبات وفعالية في أعقد السيناريوهات وأكثرها ازدحامًا.
يقف خلف نظام المحاكاة الذكية فريق من العقول السعودية المتخصصة، مدعومًا باستثمارات استراتيجية في البحث والتطوير، وخبرة متراكمة في تصميم النماذج الحركية والأنظمة التنبؤية التي تواكب التغيرات وتستجيب لها بمرونة، حيث أنجز بكفاءة 18 ورقة بحثية و29 براءة اختراع ما بين معالجة اللغة الطبيعية والرؤية الحاسوبية والسيارات ذاتية القيادة وأجهزة الاستشعار.
تدعم هذه المنظومة أجهزة الحوسبة المتقدمة عالية الأداء (High Performance Computing)، القادرة على معالجة كميات ضخمة من البيانات في وقت قياسي، وتحليل أنماط حركة الأفراد بدقة مذهلة — حتى في الحالات التي تجمع بين الكثافة، والتعقيد، وضيق المساحة.
لم يكن هذا النظام مجرد نموذج نظري، حيث أُثبتت كفاءته ميدانيًا من خلال تطبيقه في مشروع الروضة الشريفة، أحد أكثر المواقع حساسية وازدحامًا. وقد أظهر أداءً فائقًا في محاكاة حركة الزوار، وتقديم توصيات تشغيلية ساهمت فعليًا في تحسين انسيابية الحشود، وتقليل التزاحم، ورفع جودة التجربة التنظيمية في المكان.
في بيئة لا تحتمل الخطأ، ولا تقبل العشوائية… تصبح الدقة هي اللغة، والبيانات هي البوصلة، والسكينة هي التجربة التي يقصدها الزائر.